في القرن الـ18، وصف العالم جون مور حالة أشخاص طبيعيين يعانون من أفكار مزعجة رغم محاولاتهم مقاومتها.
وفي القرن الـ19، أطلق عليه الطبيب الفرنسي فاليريه "جنون الشك"، مشيراً إلى صعوبة التخلص من الأفكار المقلقة.
لاحقاً، في أوائل القرن العشرين، وصفه العالم النفسي فرويد بـ"العُصاب القهري".
وأخيراً، في منتصف القرن العشرين، ظهر مصطلح "اضطراب الوسواس القهري" الذي نعرفه اليوم، ليبدأ عصر جديد من الفهم والعلاج لهذه الحالة المعقدة. ومع التطور الطبي، أصبح لدينا اليوم فهم أعمق وطرق علاج أكثر فعالية لمساعدة المصابين.
مشاهير أصيبوا بالوسواس القهري
التاريخ يشير إلى إصابة شخصيات بارزة بهذا الاضطراب، مثل العالم تشارلز داروين والمخترع نيكولا تيسلا، مما يدل على أن المرض لا يميز بين الناس، ويمكن أن يصيب العباقرة أيضا.
ما هي أبرز صور الوسواس القهري وأنواعه؟
اضطراب الوسواس القهري يمكن أن يظهر في صور مختلفة، وله أنواع عديدة، وفيما يلي بعض الأنواع الشائعة:
وسواس النظافة والتلوث: الخوف المفرط من الجراثيم أو التلوث، مما يؤدي إلى سلوكيات تنظيف متكررة.
وسواس التحقق أو وسواس التأكد: الحاجة المتكررة للتأكد من أشياء معينة، مثل قفل الأبواب أو إغلاق الأجهزة.
وسواس التماثل والترتيب: الحاجة القهرية لترتيب الأشياء بطريقة معينة أو متماثلة.
الوسواس القهري الفكري: أفكار متكررة ومزعجة دون سلوكيات قهرية واضحة.
وسواس تجميع الأشياء: صعوبة التخلص من الأشياء غير الضرورية.
وسواس الأذى: أفكار متكررة حول إلحاق الأذى بالنفس أو بالآخرين.
وفقًا لدراسة نشرت في مجلة "Journal of Anxiety Disorders"، فإن وسواس التلوث والتحقق هما الأكثر شيوعًا، حيث يمثلان حوالي 50% من حالات مرض الوسواس القهري .
أكثر السلوكيات القهرية شيوعًا
وفقا لوزارة الصحة السعودية هناك عدد من السلوكيات القهرية، تعد الأكثر انتشارًا وتشمل:
تكرار الوضوء والصلاة
الاستحمام وغسل اليدين بشكل متكرر دون سبب مقنع
الامتناع عن مصافحة الآخرين أو ملامسة بعض الأشياء
العد بشكل متواصل خلال أداء الأعمال اليومية، سواء بصوت أو من غير صوت.
تناول قائمة ثابتة من الأطعمة، ووفق ترتيب معين.
تكرار بعض الكلمات والمصطلحات المعينة.
ما هي أعراض الوسواس القهري؟
أعراض الوسواس القهري تنقسم إلى قسمين رئيسيين:
الوساوس:
ومن أبرز هذه الأعراض:
أفكار أو صور ذهنية متكررة وغير مرغوب فيها
الشعور بالقلق الشديد عند محاولة تجاهل هذه الأفكار
إدراك أن هذه الأفكار غير منطقية، لكن يعجز الشخص عن التخلص منها
الأفعال القهرية:
ومن أبرز تلك الأعراض:
سلوكيات متكررة أو أفعال عقلية قهرية يشعر الشخص بالحاجة إلى القيام بها
أداء هذه الأفعال بهدف تخفيف القلق الناتج عن الوساوس
الشعور بعدم الارتياح الشديد إذا لم يتم تنفيذ هذه الأفعال
وفقًا للمعاهد الوطنية للصحة النفسية في الولايات المتحدة الأمريكية، يجب أن تستغرق هذه الأعراض ساعة على الأقل يوميًا وتتداخل بشكل كبير مع الحياة اليومية للشخص ليتم تشخيصها كاضطراب الوسواس القهري.
تشخيص الوسواس القهري
يتم تشخيص الوسواس القهري من قبل متخصص في الصحة النفسية، عادة طبيب نفسي أو أخصائي نفسي.
تشمل عملية التشخيص:
التقييم السريري: مقابلة شاملة لتقييم الأعراض والتاريخ الطبي والعائلي.
الفحص الجسدي: لاستبعاد الأسباب الطبية الأخرى للأعراض.
استخدام أدوات التشخيص: مثل مقياس ييل-براون للوسواس القهري (Y-BOCS).
تطبيق معايير التشخيص: وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5).
معايير تشخيص الوسواس القهري:
هناك عدد من المعايير للتشخيص الدقيق لمرض الوسواس القهري، وتشمل:
وجود وساوس أو أفعال قهرية أو كلاهما.
تستغرق الوساوس أو الأفعال القهرية وقتاً طويلاً (أكثر من ساعة يومياً).
تسبب الوساوس أو الأفعال القهرية أزمة نفسية أو تؤثر على مشاركة الشخص في الأنشطة الاجتماعية أو المتعلقة بالعمل أو جوانب الحياة الأخرى.
لا تنتج الأعراض عن تعاطي مواد مخدرة أو كحول أو أدوية أو حالة طبية أخرى.
ألا تكون هذه الأعراض ناجمة عن اضطراب نفسي آخر مثل اضطراب القلق العام أو اضطراب الأكل أو اضطراب التشوه الجسمي.
يشير موقع Cleveland Clinic إلى أن التشخيص المبكر والدقيق أمر بالغ الأهمية للبدء في العلاج المناسب وتحسين النتائج على المدى الطويل.
اختبار الوسواس القهري
هناك عدة أدوات تقييم يستخدمها المتخصصون في الصحة النفسية للمساعدة في الوصوص للتشخيص الدقيق لمرض الوسواس القهري ،، ومن أبرزها:
مقياس ييل-براون للوسواس القهري (Y-BOCS): يعتبر المعيار الذهبي لتقييم شدة أعراض الأفكار الوسواسية .
وللاطلاع على مقياس ييل براون للوسواس القهري انقر هنا.
مقياس فلوريدا للوسواس القهري (FOCI): أداة سريعة وفعالة للفحص والمتابعة.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الاختبارات والمقاييس يجب أن تتم في مركز متخصص للصحة النفسية، وتحت إشراف طبيب نفسي وأخصائي نفسي، كي يتم التقييم والتشخيص بشكل دقيق.
ما هي الاضطرابات النفسية المصاحبة للوسوسة؟
مرض الوسواس القهري غالباً ما يتزامن مع اضطرابات نفسية أخرى. وفقاً لدراسة نشرت في مجلة "Journal of Anxiety Disorders"، فإن حوالي 90% من الأشخاص المصابين بالوسواس القهري يعانون من اضطراب نفسي آخر على الأقل. الاضطرابات الأكثر شيوعاً المصاحبة للوسواس تشمل:
اضطراب الاكتئاب: يعاني حوالي 25-50% من مرضى الوسواس القهري من أعراض اكتئاب.
اضطرابات القلق الأخرى: مثل اضطراب الهلع واضطراب القلق الاجتماعي.
اضطرابات تناول الطعام: خاصة لدى الأشخاص الذين يعانون من وساوس متعلقة بالطعام والنظافة.
اضطراب الشخصية الوسواسية القهرية (OCPD): يختلف عن الوسواس القهري ولكنه قد يتزامن معه.
اضطراب توريت: خاصة في الحالات التي تبدأ في مرحلة الطفولة.
وتجدر الإشارة إلى أن فهم هذه العلاقات المتداخلة مهم للتشخيص الدقيق والعلاج الفعال.
ما هو سبب الأفكار الوسواسية؟
لا يوجد سبب علمي واضح مؤكد يفسر إصابة الأشخاص بمرض ocd.
يعتقد العلماء أن الأمر مرتبط بخلل في آلية عمل الدماغ، وتنظيم الناقلات العصبية، خاصة السيروتونين. لكنهم لا يعرفون ما الذي يسبب هذه المشكلة.
قد تلعب الوراثة دوراً في الإصابة، لكن لم يتم تحديد جين معين مسؤول عن المرض.
القلق والإجهاد المزمن لا يسبب مرض الوسواس القهري ، لكنه قد يفاقم الأعراض، خاصة إذا حدث تغيير ملحوظ بالنسبة للشخص، فقد يظهر الوسواس للمرة الأولى بعد حدث صادم أو تحول في الحياة مثل الانتقال إلى مكان جديد، أو ولادة أخ أو أخت، أو الزواج أو الطلاق.
ما هي العوامل التي ترفع فرص حدوث الوسواس القهري؟
وفقاً لموقع WebMD الطبي، فإن هناك عدد من عوامل الخطورة، ترفع فرص الإصابة بالوسوسة الشديدة، وتشمل:
الجينات والتاريخ العائلي: وجود أقارب من الدرجة الأولى مصابين بالاضطراب يزيد من خطر الإصابة.
الأحداث الحياتية الصعبة والظروف الضاغطة: يمكن أن تؤدي إلى ظهور أو تفاقم الأعراض.
التغيرات في نشاط الدماغ: خاصة في مناطق معينة مثل القشرة الأمامية الجبهية.
الشخصية: الأشخاص ذوو الشخصية الدقيقة أو القلقة قد يكونون أكثر عرضة للإصابة.
الصدمات النفسية: خاصة تلك التي تحدث في مرحلة الطفولة، وبالأخص الاعتداء الجنسي أو الجسدي.
الإصابة باضطراب الاكتئاب أو القلق
هل هناك مضاعفات لاضطراب الوسواس القهري؟
إذا لم يتم علاج مرض ocd، فقد يؤدي ذلك إلى مضاعفات خطيرة تؤثر على جودة حياة الشخص، مثل:
صعوبات في العمل أو الدراسة: قد تؤدي الأعراض إلى انخفاض الإنتاجية أو تدهور الأداء الدراس.
مشاكل في العلاقات: قد تتأثر العلاقات الأسرية والعاطفية والصداقات.
الاكتئاب والأفكار الانتحارية: خاصة مع استمرار الأعراض دون علاج.
مشاكل صحية جسدية: مثل الإصابات الجلدية بسبب الغسيل المتكرر.
صعوبات مالية: قد تنتج عن فقدان الوظيفة أو الإنفاق المفرط على الطقوس القهرية.
إدمان المواد المخدرة: حيث قد يلجأ البعض إليها كمحاولة للتعامل مع القلق والتوتر، وإذا كنت تعاني من هذه المشكلة فيمكنك قراءة هذا الموضوع حول أعراض إدمان المواد المخدرة.
متى يجب زيارة الطبيب؟
وفقاً لكليفلاند كلينك، يجب استشارة الطبيب أو المتخصص في الصحة النفسية إذا:
كانت الأفكار الوسواسية أو السلوكيات القهرية تستغرق أكثر من ساعة يومياً.
كانت الأعراض تتداخل مع الحياة اليومية، العمل، العلاقات، أو الأنشطة الاجتماعية.
كان الشخص يشعر بالضيق الشديد بسبب الأفكار أو السلوكيات التي لا يمكنه السيطرة عليها.
ظهرت أعراض اكتئاب أو أفكار انتحارية مصاحبة للوسواس القهري.
من المهم عدم تأجيل طلب المساعدة، فالتدخل المبكر يمكن أن يحسن النتائج بشكل كبير، للتواصل معنا في مسار انقر على صفحة اتصل بنا كي نتواصل مع في أقرب فرصة.
ما هو افضل علاج للوسواس القهري؟
العلاج الفعال للوسواس القهري ocd عادة ما يتضمن مزيجاً من العلاج النفسي والأدوية وفقًا لهيئة الخدمات الصحية البريطانية NHS:
العلاج النفسي:
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT)، وهو يعتبر العلاج الأكثر فعالية للوسوسة الشديدة.
- تقنية التعرض ومنع الاستجابة (ERP)، هي جزء من العلاج المعرفي السلوكة، وتعتمد على تعريض الشخص تدريجيا لبعض المواقف المثيرة للقلق، كي يستطيع مواجتها والتكيف معها.
العلاج بالقبول والالتزام (ACT): يساعد في تقبل الأفكار الوسواسية دون الانخراط فيها.
يتضمن العلاج النفسي لقاءً مع الأخصائي أو الاستشاري لتحليل المشكلة وتشجيع المريض على مواجهة المخاوف تدريجياً، وقد يحتاج الشخص من 8 إلى 20 جلسة إذا كانت حالته طفيفة، بينما يحتاج إلى جلسات أكثر إذا كانت الاضطراب أكثر شدة.
العلاج الدوائي:
يُستخدم عادة عندما لا يكفي العلاج النفسي أو في الحالات الشديدة، ويجب أن يصفه الطبيب المعالج ويحدد الجرعات بدقة.
الأدوية الرئيسية هي مضادات الاكتئاب من نوع مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs)، وهي تعمل على زيادة مستويات السيروتونين في الدماغ، قد تحتاج إلى 12 أسبوعاً ليلاحظ الشخص التحسن، ويستمر العلاج عادة لمدة عام على الأقل، ولا ينبغي مطلقًا إيقاف الأدوية فجأة دون استشارة الطبيب.
ومن العلاجات الدوائية التي تستخدم أيضا:
أدوية مثبطات استرداد السيروتونين والنورابينفرين (SNRIs): مثل فينلافاكسين.
مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات: مثل كلوميبرامين.
في بعض الحالات الشديدة، قد يتم اللجوء إلى تقنيات أخرى مثل التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS).
علاج الوسواس القهري في البيت
على الرغم من أن تشخيص الوسواس وعلاجه يجب أن يتم تحت إشراف فريق من استشاريين أو أخصائيين الطب النفسي، وبالتعاون مع خبراء العلاج النفسي، إلا أن هناك بعض النصائح التي يمكن أن تساعد في السيطرة على أعراض المرض، وعلاج الوسواس القهري عند اهل البيت، وتشمل:
الالتزام بخطة العلاج: استمر في تناول أكما وصفها طبيبك وحضور جلسات العلاج النفسي بانتظام.
ممارسة تقنيات الاسترخاء: تعلم واستخدم تقنيات مثل التنفس العميق، التأمل، أو اليوجا للحد من القلق.
الحفاظ على نمط حياة صحي: اهتم بالنوم الكافي، التغذية المتوازنة، وممارسة الرياضة بانتظام.
تجنب المحفزات: حاول تحديد وتجنب المواقف التي تزيد من أعراض الوسواس القهري قدر الإمكان.
تعلم التعامل مع الضغوط: استخدم استراتيجيات إدارة الضغوط مثل تنظيم الوقت وتحديد الأولويات.
الانضمام لمجموعات الدعم: التواصل مع آخرين يعانون من نفس الحالة .
تطبيق تقنيات العلاج السلوكي المعرفي: استخدم التقنيات التي تعلمتها في العلاج، مثل مواجهة المخاوف تدريجياً دون الانخراط في السلوكيات القهرية.
الاحتفاظ بيوميات: سجل أفكارك ومشاعرك لتتبع مستوى التقدم في حالتك وتحديد الوسائل التي تساعدك فعلا على التعايش مع الاضطراب.
الحد من تناول الكافيين: يمكن أن يزيد الكافيين من القلق، لذا حاول تقليله أو تجنبه.
ممارسة اليقظة الذهنية: تعلم كيفية التركيز على اللحظة الحالية بدلاً من الانشغال بالأفكار الوسواسية.
إن تطبيق هذه النصائح سيساهم في علاج الوسواس القهري في المنزل.
دور الأسرة في دعم المصابين بالوسواس
دعم الأسرة يلعب دورًا حاسمًا في علاج مرض الوسواس القهري، وفقًا للعديد من الأبحاث الطبية الحديثة، ومن الأمور التي يمكن أن تقوم بها لدعم المرضى:
التثقيف: فهم طبيعة الاضطراب وكيفية التعامل معه، وبالتي مساعدة فردها المصاب.
المشاركة في العلاج: حضور جلسات العلاج الأسري إذا أوصى بذلك المعالج.
تجنب المشاركة في الطقوس: عدم تسهيل أو تشجيع السلوكيات القهرية التي يعاني منها الشخص.
توفير بيئة داعمة: خلق جو من التفهم لما يقوم به مريض الوسواس والصبر على الأذى المادي أو المعنوى الذي قد يلحق بهم.
تشجيع الاستقلالية: مساعدة الشخص على القيام على أموره ومواجهة التحديات بنفسه تدريجياً.
الاهتمام بالصحة الشخصية: ضمان عدم إهمال أفراد الأسرة لصحتهم النفسية.
أحدث المستجدات العلمية والطبية
الأبحاث في مجال مرض الوسواس القهري مستمرة، وهناك نتائج ملموسة، حيث صدقت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على استخدام التحفيز العميق للدماغ، والذي يعرف بـDBS، لعلاج الوسواس القهري لدى البالغين الذين تبلغ أعمارهم 18 عاماً فما فوق، والذين لم يستجيبوا للعلاجات التقليدية.
تتضمن هذه التقنية زرع أقطاب كهربائية في مناطق معينة من الدماغ، حيث تقوم هذه الأقطاب بإنتاج نبضات كهربائية قد تساعد في السيطرة على الدوافع غير الطبيعية، ومع ذلك، فإن التحفيز العميق للدماغ ليس متاحاً على نطاق واسع، ونادراً ما يتم استخدامه في علاج الوسواس .
كما صدقت FDA أيضا على استخدام 3 أجهزة تستخدم في علاج مرض الوسواس القهري لدى البالغين باستخدام تقنية التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمةTMS، وهذه التقنية تستخدم فقط حال فشل العلاجات التقليدية وتمتاز بأنها لا تحتاج للجراحة.
وهناك أيضا أبحاث واعدة تؤكد دور العلاج الجيني في السيطرة على الوسوسة .
السرية والتشخيص الدقيق أولويتنا